سورة هود - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


{فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (14)}
فإن قلت: ما وجه جمع الخطاب بعد إفراده وهو قوله: {لَكُمْ فاعلموا} بعد قوله: {قُلْ}؟ قلت: معناه فإن لم يستجيبوا لك وللمؤمنين لأنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين كانوا يتحدّونهم، وقد قال في موضع آخر: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم} [القصص: 50] ويجوز أن يكون الجمع لتعظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم كقوله:
فَإنْ شَئْتُ حَرَّمْتُ النْسَاءَ سِوَاكُمُ ***
وووجه آخر: وهو أن يكون الخطاب للمشركين، والضمير في {لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ} لمن استطعتم، يعني: فإن لم يستجب لكم من تدعونه من دون الله إلى المظاهرة على معارضته لعلمهم بالعجز عنه وأن طاقتهم أقصر من أن تبلغه {فاعلموا أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ الله} أي أنزل ملتبساً بما لا يعلمه إلا الله، من نظم معجز للخلق، وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه {و} اعلموا عند ذلك {و أَن لاَّ إله إِلاَّ} الله وحده، وأن توحيده واجب والإشراك به ظلم عظيم {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} مبايعون بالإسلام بعد هذه الحجة القاطعة، وهذا وجه حسن مطرد. ومن جعل الخطاب للمسلمين فمعناه: فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، وازدادوا يقيناً وثبات قدم على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد. ومعنى {فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ} فهل أنتم مخلصون؟


{مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (16)}
{نُوَفّ إِلَيْهِمْ} نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا، وهو ما يرزقون فيها من الصحة والرزق. وقيل: هم أهل الرياء. يقال للقراء منهم: أردت أن يقال: فلان قارئ، فقد قيل ذلك. ولمن وصل الرحم وتصدّق: فعلت حتى يقال، فقيل ولمن قاتل فقتل: قاتلت حتى يقال فلان جريء، فقد قيل: وعن أنس بن مالك: هم اليهود والنصارى، إن أعطوا سائلاً أو وصلوا رحماً، عجل لهم جزاء ذلك بتوسعة في الرزق وصحة في البدن. وقيل: هم الذين جاهدوا من المنافقين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسهم لهم في الغنائم. وقرئ: {يوفّ} بالياء على أن الفعل لله عز وجل. وتوفَّ إليهم أعمالهم بالتاء، على البناء للمفعول. وفي قراءة الحسن: {نوفي}، بالتخفيف وإثبات الياء، لأنّ الشرط وقع ماضياً، كقوله:
يَقُولُ لاَ غائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ ***
{وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا} وحبط في الآخرة ما صنعوه، أو صنيعهم، يعني: لم يكن له ثواب لأنهم لم يريدوا به الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفي إليهم ما أرادوا {وباطل مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي كان عملهم في نفسه باطلاً، لأنه لم يعمل لوجه صحيح، والعمل الباطل لا ثواب له. وقرئ: {وبطل} على الفعل.
وعن عاصم: وباطلا بالنصب، وفيه وجهان: أن تكون ما إبهامية وينتصب بيعملون، ومعناه: وباطلاً، أيّ باطل كانوا يعملون. وأن تكون بمعنى المصدر على: وبطل بطلاناً ما كانوا يعملون.


{أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (17)}
{أَفَمَن كَانَ على بَيّنَةٍ} معناه: أمّن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة أي لا يعقبونهم في المنزلة ولا يقاربونهم، يريد أنّ بين الفريقين تفاوتاً بعيداً وتبايناً بيناً، وأراد بهم من آمن من اليهود كعبد الله بن سلام وغيره، كان على بينة {مّن رَّبّهِ} أي على برهان من الله وبيان أنّ دين الإسلام حق وهو دليل العقل {وَيَتْلُوهُ} ويتبع ذلك البرهان {شَاهِدٌ مّنْهُ} أي شاهد يشهد بصحته، وهو القرآن {مِنْهُ} من الله، أو شاهد من للقرآن، فقد تقدّم ذكره آنفاً {وَمِن قَبْلِهِ} ومن قبل القرآن {كِتَابُ موسى} وهو التوراة، أي: ويتلو ذلك البرهان أيضاً من قبل القرآن كتاب موسى. وقرئ: {كتاب موسى} بالنصب، ومعناه: كان على بينة من ربه، وهو الدليل على أنّ القرآن حق، {وَيَتْلُوهُ}: ويقرأ القرآن {شَاهِدٌ مّنْهُ} شاهد ممن كان على بينة. كقوله: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مّن بَنِى إسراءيل على مِثْلِه} [الأحقاف: 10]، {قُلْ كفى بالله شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الكتاب} [الرعد: 43]، {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ موسى} ويتلو من قبل القرآن والتوراة {إِمَاماً} كتاباً مؤتما به في الدين قدوة فيه {وَرَحْمَةً} ونعمة عظيمة على المنزل إليهم {أولئك} يعني من كان على بينة {يُؤْمِنُونَ بِهِ} يؤمنون بالقرآن {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحزاب} يعني أهل مكة ومن ضامهم من المتحزِّبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم {فالنار مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ} وقرئ: {مُرية} بالضم وهما الشك {مِّنْهُ} من القرآن أو من الموعد.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8